بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
احببت ان افتح هذا الموضوع من اجل وضع التحريرات للاستفادة ومنها ومناقشة الشيوخ الكرام لبعض التحريرات

ـ تعريف التحريرات :
هذه الكلمة (التحريرات) يقصد بها في أي علم من العلوم ضبط المسائل العلمية ومنه ما ألفه بعض المتأخرين في علم رجال الكتب الستة (تحرير تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر)، أما في علم القراءات فقد وضع القراء لها بعض التعريفات وقد جمع هذه التعريفات الشيخ خالد أبو الجود في تحقيقه لكتاب الروض النضير للإمام المتولي في رسالة الماجستير فيمكن للقارئ الفاضل الرجوع إليها، أما الذي نختاره تعريفاً للتحريرات فهو التقييد بالتدقيق، ولا تعجل علينا بقولك إنه غامض فسأقوم بشرح ما أقصده، ولكننا تعمدنا الاختصار والمشاكلة حتى يسهل حفظ هذه العبارة، ومعنى ذلك هو (الاحتهاد بالبحث والتحري لوضع تقيدات لما أطلقه الإمام ابن الجزري في طيبته من أوجه للقراء وذلك طبقاً للطرق التي أسند منها القراءات) وببساطة فالتحريرات هي منع أوجه للقراءة يفيد ظاهر نظم الطيبة جوازها[1].
وكمثال لذلك : فقد عزا الإمام ابن الجزري لرواية حفص السكت قبل الهمز بخلاف وكذلك عزا له قصر المد المنفصل بخلاف فيفيد إطلاق الطيبة جواز السكت لحفص على قصر المد المنفصل، فيأتي المحررون ليقيدوا جواز السكت على توسط المد المنفصل فقط لأن السكت عن حفص من طريق عبيد بن الصباح انظر النشر جـ1 صـ 423 ولم يرو عبيد بن الصباح عن حفص إلا توسط المد المنفصل أما قصر المنفصل فهو من طريق عمرو بن الصباح انظر النشر جـ 1 صـ 334 ولم يرو عمرو عن حفص السكت.
2 ـ نشأة علم التحريرات :
عندما ألف الإمام ابن الجزري كتابه النشر، ثم نظمه في طيبة النشر أطلق أحكاماً لبعض القراء تحتاج إلى تقييد حتى تطابق ما قرأ به الإمام ابن الجزري وشيوخه، وعليه فإن بدء علم التحريرات كان على يد الإمام ابن الجزري نفسه، وقد أشار إلى ذلك في عدة مواضع صريحاً كقوله "تقدم أنه إذا قرئ بالسكت لابن ذكوان يجوز أن يكون مع المد الطويل ومع التوسط لورود الرواية بذلك. فإن قرئ به لحفص فإنه لا يكون إلا مع المد. ولا يجوز أن يكون مع القصر" [2]، وكقوله "لا يجوز مد شيء لحمزة حيث قرئ به إلا مع السكت إما على لام التعريف فقط أو عليه وعلى المد المنفصل"[3]

كما قد ضمن الإمام ابن الجزري طيبة النشر كذلك بعض التحريرات كقوله:


... لكن بوجه المد والهمز امنعا.

ويتضح مما ذكرنا سابقاً أن قول الشيخ السمنودي إن أول واضع لتحريرات الطيبة هو الشيخ شحاذة اليمني كما ورد في قوله:


وقل حكمه فرض وأول واضع له اليمني المدعو شحاذة في العلا[4]

قول غير دقيق لأنه يرد عليه ما يلي:
1 ـ أنه مخالف للواقع وهو ما ذكرناه سابقا من أن أول واضع لتحريرات الطيبة هو ابن الجزري كما نقلنا عنه سابقا.
2 ـ أنه يرد عليه الإشكالات التالية:
إذا كان أول واضع لتحريرات الطيبة هو الشيخ شحاذة اليمني فكيف كان يقرأ الذين كانوا من قبله، وقد وضعها الشيخ شحاذة بعد زمن ابن الجزري بثلاث طبقات من الشيوخ؟
وإذا أوجبنا هذه التحريرات كما هو ظاهر كلام الشيخ السمنودي في البيت السابق، فكيف أضاع من سبق الشيخ شحاذة هذا الواجب؟
ثم ما هي حدود هذا الواجب؟ وهل سيستمر هذا الواجب في الاتساع؟ بمعنى أنّ ما لم يكن واجبا في وقت الشيخ شحاذة أصبح واجبا بعد ذلك على يد غيره من المحررين؟
وكيف العمل فيما يقع من تطور وتغيير في هذه التحريرات، خاصة على نهج مدرسة الأمام الأزميري[5]؟
فمن المعلوم أن كل المحررين قبل الشيخ السمنودي لا يرون الغنة في اللام والراء لشعبة، ولا يرون السكت قبل الهمز لرويس، وقد قال بذلك الشيخ السمنودي في تحريراته حيث يقول في جواز غنة اللام والراء لشعبة:
ولا غنة عن أزرق قط فاعلمن وعن شعبة تروي ..........[6].
ويقول في جواز السكت لرويس قبل الهمز:
ومن طرق القاضي لنخاسهم على رويس سكوت في سوى المد أرسلا[7].
ونحن على يقين بأن الشيخ شحاذة اليمني لم يقرأ ولم يقرئ بالغنة لشعبة ولا بالسكت لرويس، فما الجواب على هذه الأسئلة كلها؟

مدارس التحريرات :
تلا الإمام ابن الجزري بعض طلابه فتكلموا على تحريرات للطيبة ومن ذلك ما أشار إليه الشيخ (يوسف أفندي زاده) في تحريراته من منع (النويري) بعض الأوجه من الطيبة وذلك في قوله :
ولا يجيء السكت مع الطويل، وإن قال ابن الجزري في نشره بعد ما ذكر السكت من الطرق التي ذكرها: والسكت من هذه الطرق كلها مع التوسط الا من الإرشاد فإنه مع المد الطويل اهـ.
لأنه نظر فيه الإمام النويري حيث قال: وفيه نظر لأنه في الإرشاد أطلق الطول عن الأخفش وفي الكفاية قيده بالحمامي كالجماعة فيحمل إطلاقه على تقييده؛ لأن غيره لم يقل إن الطول من جميع طرق الاخفش وهو لم يصرح فتعين الحمل المذكور، وهو أعني أن صاحب الإرشاد قد جعل السكت للأخفش من طريق العلوي عن الأخفش وليس الطول عنده إلا عن الحمامي عن النقاش عن الأخفش والله أعلم[8] اهـ.
وتبع النويري كذلك من بعده فألفوا تحريرات من باب الجمع بين كلام ابن الجزري في مواضع مختلفة ، فإذا ذكر ابن الجوري مثلاً:
أن حكم مد البدل للأزرق من كتاب الهداية للمهدوي والكافي لابن شريح والتجريد لابن الفحام هو الإشباع[9]، وحكم ذات الياء من هذه الكتب الفتح[10]، ثم ذكر في موضع آخر أن حكم المنون المنصوب نحو "بصيرا" من الهداية هو التفخيم وصلاً لا وقفاً وهو كذلك أحد الوجهين في الكافي والتجريد[11]، يجمع المحررون بين النصين بإيجاب إشباع البدل على وجه تفخيم المنون المنصوب وصلاً لا وقفاً وهكذا.
وقد سار على ذلك النهج أغلب المحررين فكانوا لا يخرجون في الغالب عما ذكره ابن الجزري في النشر، فتحريرات الإمام المنصوري التي تعتبر من أكثر مراجع المحررين لا يشير فيها المنصوري إلى رجوعه إلى الكتب التي أسند منها الإمام ابن الجزري طرقه إلا قليلاً جداً، ولعل ما وقع لي من ذلك أن الإمام المنصوري رجع إلى تجريد ابن الفحام وتيسير الداني والشاطبية فقط، وعلى درب المنصوري سار كثير من المحررين كالميهي والعبيدي والطباخ والخليجي.
ومن باب تقسيم مناهج المحررين نحب أن نطلق على هؤلاء المحررين وكتبهم مدرسة الإمام المنصوري التي تتميز بأن جل اعتمادها في التحريرات على نقل ابن الجزري.
ويختلف عنهم (الأستاذ يوسف أفندي زاده) في تحريراته بالأخذ بما يسميه الأخذ بالعزايم لا بالرخص[12] وترك ما فيه احتمال نحو ما ذكر ابن الجزري أنه قليل أو ليس عليه العمل ونحو ذلك مما أدى إلى أنه أي (يوسف أفندي زاده) قد ترك كثيراً من الأوجه للقراء ورواتهم وطرقهم وإن كانت ظاهرة من الطيبة وذلك مثل:
1- هاء السكت ليعقوب وقفاً في جمع المذكر السالم نحو "العالمين".
2- سكت المد لحمزة سواءً على المد المتصل نحو "في السماء" أو المنفصل نحو "بما أنزل".
4- الإدغام الكبير ليعقوب نحو "فيه هدى".
وهو يعقب على ذلك بأنه يأخذ بالعزيمة ، وإن كان في مجمل ما يأتي به من تحريرات على طريقة المنصوري في الاعتماد على نقل ابن الجزري ، وعدم مراجعة الكتب التي أسند منها ابن الجزري حروف القراءات.
وكذلك تتميز مدرسة الإمام المنصوري بعدم الالتزام بالطرق التي أسندها ابن الجزري تفصيلياً للكتب ، فقد يأخذون بوجه ذكره ابن الجزري في كتاب أسنده إسناداً عامّاً دون أن يذكر طريق أحد الرواة أو القراء منه، فلا مانع لديهم من أخذ حكم لهشام من "كتاب الوجيز للأهوازي" أو من أخذ حكم للأزرق من "كتاب الإقناع لابن باذش"، وذلك اعتماداً على أن ابن الجزري قد أسند هذه الكتب إجمالا في مقدمة كتابه وإن لم يسند طرقاً خاصة منها.
وخالف في هذه المسائل الإمام الأزميري إذ إنه قد أكثر من مراجعة الكتب التي ذكرها ابن الجزري في النشر، ولم يعتمد على نقل ابن الجزري إلا في مواضع قليلة ترك فيها ما وجد في الكتب، ومما يلاحظ أنه يجري الأوجه أحياناً اعتماداً على نقل ابن الجزري وأحياناً على ما وجده في الكتب؛ ولذلك خالفت تحريراته تحريرات السابقين فمنع أوجهاً من الطيبة لم يمنعها من سار على طريقة المنصوري[13] ، فأنشأ بذلك مدرسة أخرى في التحريرات يعتبرها أتباعه أدق من السابقة، ثم جاء من بعده من نحب أن نطلق على مدرستهم [14] مدرسة الإمام الأزميري ، وكان مقدمهم في ذلك الإمام المتولي غير أنه توسع في الاعتماد على ما في الكتب المسندة وترك الاعتماد على نقل ابن الجزري في غالب تحريراته فخالف الأزميري في مسائل عديدة ، وكذلك من جاء بعد المتولي ونهج نهج هذه المدرسة زاد[15] في منع أوجه من الطيبة بالرجوع إلى الكتب وترك الاعتماد على نقل ابن الجزري ، ولعل الشيخ السمنودي هو أكثر من اتبع نهج هذه المدرسة فقد توسع في نظم التحريرات حتى بلغت أكثر من ألف بيت ، خالف في مسائل كثيرة منها من سبقه لكثرة تحريه في الرجوع إلى الكتب المسندة في النشر وترك الاعتماد على نقل ابن الجزري واختياراته، ولعل ما يميز مدرسة أو منهج الإمام الأزميري هو:
1- الإكثار من الرجوع إلى الكتب لأخذ الأحكام وعدم الاعتماد في ذلك على نقل ابن الجزري إلا قليلا.
2- إهمال اختيارات ابن الجزري ـ إن خالفت هذه الاختيارات ـ ما في الكتب نحو الغنة للأزرق، وترك الغنة لشعبة، وترك فتح ذوات الراء للمطوعي من المبهج ونحو ذلك .
3- عدم الاعتماد على الطرق الأدائية التي أسندها ابن الجزري في النشر إذا لم يفصل ابن الجزري ما بها من أحكام ، مع أن الظاهر أن ابن الجزري لم يسندها إلا للاحتجاج بها على ما أورده في كتابه النشر وطيبته، ولتوضيح مسألة عدم الاعتماد على ما في الطرق الأدائية أضرب المثال التالي:
صرح ابن الجزري في النشر أنه قرأ بالغنة في اللام والراء للقراء من طريق أبي معشر والهذلي وغيرهم، ولم يذكر أنه قرأ بذلك من كتبهم بل أطلق العبارة، فيفيد إطلاقه أن ذلك يشمل طرقهم الأدائية كذلك ، ومع أنه أسند للأزرق في طرقه التفصيلية طريقا أدائيا لأبي معشر فلم يكن ذلك كافيا عند مدرسة الأزميري لاعتماد الغنة للأزرق في اللام والراء، بل اعترضوا على ابن الجزري فمنعوا تلك الغنة؛ لأنها ليست مذكورة في الكتب التي أسندها في النشر للأزرق، فيتضح من ذلك عدم اعتبارهم للطرق الأدائية إلا إذا ذكر بعض أحكامها ابن الجزري، وذلك نحو قوله:
فروى جماعة من أهل الأداء السكت عنه من روايتي خلف وخلاد في لام التعريف حيث أتت و(شيء) كيف وقعت أي مرفوعاً أو مجروراً أو منصوباً، وهذا مذهب صاحب الكافي وأبي الحسن طاهر بن غلبون من طريق الداني[16].
4- اضطرابهم في التمسك بهذه الأصول السابقة فأحياناً يوجبونها وأحياناً يتركونها ، فمما يتبين فيه تركهم اعتماد ما في الكتب فقط ما أجازه الأزميري من السكت بين السورتين لإدريس عن خلف العاشر اعتماداً على ابن الجزري، وكما أجاز المتولي مد التعظيم لحفص اعتماداً على ابن الجزري وهكذا .
5- تمسكهم بأخذ الأحكام من الطرق التي أسندها ابن الجزري تفصيلياً في النشر وعدم الاكتفاء بإسناد الكتاب إجمالاً في مقدمة النشر ، فهم لا يأخذون أحكاماً من (الإقناع لابن الباذش) أو الاختيار لسبط الخياط ونحو ذلك لأن ابن الجزري لم يسق منها طرقاً مفصلة في النشر.

حكم هذه التحريرات:
الذي ندين الله تعالى به هو أن هذه التحريرات تنقسم إلى ما يلي:
1 ـ تحريرات لا يليق بعلماء القراءات تركها[17] ؛ لأنها التزام بما ورد عن ابن الجزري صاحب نظم الطيبة، وهي أدق التقييدات لمتن الطيبة؛ إذ إن ابن الجزري يعلم ما قد قرأ به على شيوخه وكذلك ما أقرأ به، وقد كانت تقييداته على نحوين :

أ ـ التقييد الصريح حيث يمنع أوجهاً سواء في نظم الطيبة أو في كتبه الأخرى ؛ كما منع الإدغام الكبير لأبي عمرو على تحقيق الهمز أو على المد[18]. وكما منع إظهار راء الجزم لدوري أبي عمرو على وجه الإدغام الكبير له[19] وهذا يلزم من قرأ بمضمن نظمه؛ لأنه لا يُقرأ من طريقه إلا بما أقرأ به.
ب ـ التقييد غير الصريح وذلك بعزو الأحرف إلى الطرق؛ كعزو فتح الألفات التي بعدها راء مجرورة متطرفة نحو ( النار والأنصار والأبرار ) لطريق الأخفش عن ابن ذكوان، وعزو الإمالة فيها للصوري عن ابن ذكوان، وعزو السكت لحفص قبل الهمز لطريق الأشناني ، وإشباع المد لابن ذكوان لطريق الحمامي وهكذا .
وهذا النوع يتفاوت تفاوتاً كبيراً ؛ فمنه ما هو صريح مثل ما قد سبق ذكره من منع السكت لحفص على قصر المنفصل، ومنه ما فيه إبهام ويأتي ذكره .
ونحب أن نطلق على هذا النوع من التحريرات "التحريرات اليقنية" أو التحريرات النشرية نسبة لصاحب كتاب النشر.
ـ تحريرات ظنية احتمالية، وهي أكثر ما تجده في كتب التحريرات، وأحسن ما يقال فيها إنها اختيارات ممن وضعها، لا تلزم كل من لم يقل بها، ومن أمثلة تلك التحريرات ما وقع الخلاف فيه بسبب إعمال الظن في فهم كلام ابن الجزري المحتمل أو وضع قواعد ظنية للتحريرات نحو قول الأزميري بمنع الغنة للأزرق مع خلاف المنصوري والخليجي له في ذلك، أو قول المتولي بوجوب الغنة على الإدغام الكبير ليعقوب مع خلاف الخليجي له في ذلك وهكذا، وهو باب واسع كما سبق ذكره.
وهذا النوع لا يلزم كل القراء بل يلزم من يختاره لأنه قرأ به على شيخه أو نحو ذلك؛ لأنه لا يكفي الاحتمال في منع أوجه الطيبة.
وإنما قلنا بذلك لأنك لو اطلعت على خلافات المحررين لهالك كثرة ما يمنعه بعضهم ويجيزه الآخرون، وهذا لو كان في أبواب الفقه التي أجاز الشارع فيها العمل بغلبة الظن لكان له وجه، أما أن تمنع قراءة القرآن بوجه ليس فيه خطأ نحوي أو لغوي أو نسبة حرف لمن لم يروه فقد نص ابن الجزري على أنه تضييق على الأمة وإيقاع لها في الحرج[20]، وهذا هو الواقع الآن ممن يلزمون القراء بهذه التحريرات الظنية.
5 ـ اختيار عدم الأخذ بالظن في التحريرات:
يكفي للتدليل على خطأ المحررين الذين يقولون بوجوب التحريرات الظنية ما منعه أتباع مدرسة الأزميري من الأوجه التي قرأ بها من قبلهم؛ لأنهم لم يجدوها في الكتب التي تحت أيديهم.
ثم تبين بعد أن وُجدت هذه الكتب أن هذه الأوجه صحيحة، وكمثال لذلك فقد منعوا مد لا التي للتبرئة على سكت المد وهي تأتي من الكامل[21]، ومنعوا إمالة هاء التأنيث إمالة عامة على مد لا التي للتبرئة وهي تأتي من الكامل كذلك[22]، ومنعوا كثيراً من أوجه مد التعظيم للقراء بدعوى أن هذا المد يأتي من الكامل، ثم اتضح أن بعض هؤلاء القراء لم يذكر لهم مد التعظيم في الكامل أصلاً، ومثال ذلك منع تقليل التوراة على مد التعظيم لقالون على أنه ليس لقالون التقليل من الكامل، ثم وجدنا الكامل لم يثبت مد التعظيم لقالون أصلاً[23].
وعلى ما ذُكِر سابقا فالاختيار عدم إلزام المسلمين بهذه التحريرات الظنية، أما من أخذ بها على أنها اختيارات من مشايخنا الفضلاء فلا حرج في ذلك.
6ـ تحريرات الشيخ الخليجي :
هذه التحريرات نظمها شيخ شيخنا على نهج مدرسة الإمام المنصوري، وهذا مما يميزها لأنها لم تمنع كثيرا من أوجه الطيبة التي تمنعها مدرسة الأزميري، وهي كذلك تشتمل على كثير من التحريرات التي نحب أن نسميها التحريرات النشرية أو التحريرات الجزرية أو التحريرات اليقنية؛ إذ إن الخليجي يعتمد على نقل ابن الجزري في كثير مما أجازه أو منعه من الأوجه.
ويمكن تقسيم تحريرات الشيخ الخليجي على هذا الإعتبار إلى:
1- تحريرات لازمة اصطلاحاً وهي التي توافق ما نص عليه ابن الجزري، ومن أمثلتها ما يلي:
ولابنِ ذكوانٍ بِمَدٍّ قَدْ حَظَلْ إِدْغامَ أُورثتمْ[24] وإظهار اذْ دَخَلْ[25]
ومَيْلَ خَاب دَعْ[26] وإبراهِيما دَعْ أَلِفًابِهَا تَكُنْ فَهِيمَا[27]
2- تحريرات اختيارية من الشيخ الخليجي فالأخذ بها من باب الجواز، وهو الأفضل لمن قرأ من طريقه لا من باب أنها صواب وغيرها خطأ.
وإذ إننا نعتبرها اختياراً من الشيخ الخليجي فلا نلتزم بالتعليق على ما منعه من الأوجه، بل قد نتعرض لذلك أحياناً لنبين ظنية هذه التحريرات، أو صحة ما منعه ـ رحمه الله ـ عند غيره من المحررين خاصة إذا منع وجها من الشاطبية قرأ به وما زال يقرأ به جمهور القراء.

موقف قراء عصرنا من التحريرات :
وقع الاختلاف في عصرنا هذا بين القراء في الأخذ بالتحريرات التي وضعت على نظم الطيبة وانقسموا الى فريقين:
1 ـ فريق لم يقبل هذه التحريرات واعتبر أنها غير لازمة ومن هؤلاء الشيخ عبدالفتاح القاضي والشيخ محمد سالم محيسن وقد اعتمد الأزهر الشريف هذا الرأي فألغى دراسة التحريرات على نظم الطيبة في مراحل دراسة القراءات.
2 ـ فريق يرى وجوب الأخذ بهذه التحريرات، ويقول إنه لا يمكن قراءة نظم الطيبة إلا بهذه التحريرات وهم أغلب القراء وقد صرح بعضهم بأنها فرض كما سبق أن نقلنا عن الشيخ السمنودي.
والأولى أن يتفق الفريقان على اعتماد تحريرات الإمام ابن الجزري؛ لأنها تكملة لمؤلفه الطيبة ولأن القراء يقرأون هذه القراءات من طريقه وحده فينبغي التقيد بما ذكره من تحريرات لذا كان تقييده يقينيا وواضحا وصريحا، وبذلك نخرج من هذا الخلاف؛ لأن الجميع متفقون على أن نسبة القراءات لمن نقلها لازمة كما أن نسبة الأحاديث لمن رواها لازمة كذلك، فقد اتفق المحدثون على أنه إذا ذكر أحد حديثا نبويا شريفا مرويا في سنن الترمذي، ثم نسبه وعزاه الى كتاب البخاري يكون قد وقع في خطأ علمي واضح فلا يسكت عنه في ذلك علماء الحديث بل ينبهونه على خطئه، وكذلك إذا ذكر القارئ قراءة لأحد الطرق ثم نسبها إلى طريق أخر أو لأحد الكتب ثم نسبها إلى كتاب أخر يكون قد وقع في خطأ علمي ينبغي تنبيهه عليه.

الاستفادة من التحريرات:

الفائدة الأولى:
أنه يمكن الاستعانة بها على القراءة بمضمن نظم الطيبة، فكما ذكرنا فيما سبق أن التزام تحريرات ابن الجزري هو الذي يليق بمن يقرأ من طريقه، أما ما زاده المحررون من باب الاختيار والظن فيمكن أن يقرأ به وينسب لمن اختاره، وبالتالي يمكن القراءة بمضمن أي تحريرات معتبرة فيقرأ القارئ بتحريرات الشيخ الخليجي على أنها اختيار منه أو تحريرات الشيخ الزيات على أنه اختيار منه وهكذا.
الفائدة الثانية :
يمكن من خلالها ضبط العزو إلى الطرق والكتب، وهذه فائدة كبري من التحريرات المؤلفة يمكن الاستعانة بها على معرفة العزو إلى الطرق أو إلى الكتب، فمن العزو إلى الطرق ما نظمه المحررون في ضبط طريق أبي الطيب عن رويس أو في التفرقة بين طريق ابن مجاهد وابن شنبوذ عن قنبل، كما يمكن الاستفادة منها في معرفة الأحكام الواردة في الكتب كرواية السوسي من كتاب الكافي وطريق الأزرق من كتاب ابن بليمة وهكذا.


[1] وأدخل بعض القراء في معنى التحريرات كذلك زيادة بعض الأوجه على ما في الطيبة إلزاما لابن الجزري بما في الكتب التي أخذ منها حروف القراءات، وهذا يخالف ما اتفق عليه القراء من جواز الاقتصار على بعض ما روى القارئ اختيارا منه ؛ ولذا لا نعتبر هذه تحريرات للطيبة بل إضافة عليها لا تلزم أحدا إلا اختيارا منه .

[2]النشر في القراءات العشر - (ج 1 / ص 485)

[3]النشر في القراءات العشر - (ج 1 / ص 486)

[4]جامع الخيرات للشيخ السمنودي 486 .

[5] يأتي التعريف بها قريبًا.

[6]جامع الخيرات للشيخ السمنودي 493 .

[7]جامع الخيرات للشيخ السمنودي 497 .

[8]تحريرات الأستاذ يوسف أفندي زاده مخطوط ص 9 .

[9] النشر(1/339).

[10] النشر(2/50).

[11] النشر(2/96).

[12] مخطوطة تحريرات الأستاذ يوسف أفندي زاده ص 3

[13]كمنعه الإدغام الكبير ليعقوب على المد ، ومنعه الغنة للأزرق وهكذا .

[14]من باب تقسيم مناهج المحررين.

[15]وبعضهم زاد في تجويز أوحه وجدها في الكتب مع ترك ابن الجزري لها وعدم تضمينها في طيبته وأوسعهم في ذلك هو الشيخ السمنودي وقد كان مما زاده ولم يسبق به السكت لرويس قبل الهمز ، والغنة لشعبة ، والوقف بالواو على يدع ويمحو وسندع ليعقوب ، مع أنه يلزمه على هذا المنهج كثير من الزيادات لا يتضح لنا سبب تركه لها أذكر منها على سبيل المثال ترك ادغام الباء في الميم في قوله تعالى في سورة هود "اركب معنا" للأصبهاني وهي مروية من كفاية أبي العز والمبهج والمستنير والروضتين وهي وجه من غاية الاختصار ، وترك تسهيل الهمزة في نحو ( يشاء إلى) بين الهمزة والواو وهو في الكافي وغاية الاختصار وكفاية أبي العز وتلخيص أبي معشر ، وترك تحقيق همزة (ها أنتم) للأصبهاني وهي في الكامل والمصباح، وترك فتح الراء في فواتح السور عن هشام مع تعدد طرقها ولا أطيل في هذا لأنه باب واسع .

[16]النشر في القراءات العشر - (ج 1 / ص 478) .

[17]ولا نقول إنها واجبة شرعا يأثم تاركها إلا إذا تضمنت نسبة قراءة لكتاب أو طريق لم ترد منه لأن هذا كذب لا يجوز شرعا.

[18]انظر طيبة النشر ( بيت رقم 123 ) وكتاب النشر ج 1 ص 277 ـ 378

[19]انظر كتاب النشر ج 2 ص 13.

[20]انظر النشر ج (1 / 19) .

[21]مخطوطة الكامل ص 158 .

[22]مخطوطة الكامل ص 95 وص 158 .

[23]مخطوطة الكامل ص 137 .

[24]قال في النشر (2 / 17): التاء في الثاء في أورثتم .........فأدغمها ...... واختلف عن ابن ذكوان فرواهما عنه الصوري بالإدغام ورواهما الأخفش بالإظهار اهـ فيمتنع على الإدغام الإشباع لأن الصوري ليس له إشباع.

[25]قال في النشر (2 / 3): واختلف عنه في الدال فروى عنه الأخفش إدغامها في الدال وروى عنه الصوري إظهارها عندها أيضا اهـ فيمتنع على الإظهار الإشباع لأن الصوري ليس له إشباع.

[26]قال في النشر (2 / 60): واختلف عن ابن ذكوان أيضاً في "خاب" وهو في أربعة مواضع: في إبراهيم وموضعي (طه) وفي (والشمس) ، فأماله عنه الصوري وفتحه الأخفش اهـ فيمتنع على الإمالة الإشباع لأن الصوري ليس له إشباع.

[27]قال في النشر (2 / 221): واختلف عن ابن ذكوان فروى النقاش عن الأخفش عنه بالياء كالجماعة ...... وكذلك روى المطوعي عن الصوري عنه وروى الرملي عن الصوري عن ابن ذكوان بالألف فيها كهشام. وكذلك روى أكثر العراقيين عن غير النقاش عن الأخفش. وفصل بعضهم عنه فروى الألف في البقرة خاصة والياء في غيرها وهي رواية المغاربة قاطبة وبعض المشارقة عن ابن الأخرم عن الأخفش وبذلك قرأ الداني على شيخه أبي الحسن في أحد الوجهين عن ابن الأخرم اهـ فيمتنع على الألف الإشباع لأن النقاش ليس له إشباع.


موضوع للدكتور الجكني منقول من ملتقى أهل التفسير